الحكمة من اختيار القرآن للرقم 19
أثبتت البحوث والدراسات بما لا يدع مجالاً للشك أن الله عز وجل قد جعل الرقم (19) آية، وأودعه من الأسباب ما يؤسِّس لحُجَّة برهانية، قد أنشأها ليدفع ادعاء ابن المغيرة بأن القرآنَ سحرٌ يؤثر وأنه قولُ البشر، وليبطل تخرصات المشركين في شأن عدة الملائكة التسعة عشر،
ولِيَقصِمَ ظهرَ كل ذي مذهبٍ على غير مذهب الحق، وليُثبت للذين أوتوا الكتاب أن القرآن حق، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، ويزداد الذين آمنوا إيماناً. إنها حجة يقيمها الله عز وجل على الناس كافة، أن هذا القرآنَ كلامُهُ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، وأن هذا الكونَ خلقُهُ، وأن ما ينشأ في الوجود من أحداث هي أفعالُهُ وحده سبحانه..
إن الهيئات والأنساق والمنظومات التسع عشرية المعجزة، يجدها الإنسان أينما مدَّ ببصره في آيات الله التكوينية والقرآنية والكونية. إنها موازين ربانية محسوبة ومقدَّرة ومضبوطة، لا تزيد ولا تميل ولا تنقص، فلا تفاوت فيها ولا اعوجاج ولا خلل. وقد اتَّسق عليها كل شيء في كل شيء..
فأن يتعلق مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمن بعثته وإسراؤه ومعراجه وهجرته ووفاته، وكذلك زمن تجديد بناء الكعبة وبناء المسجد النبوي وفتح بيت المقدس، بالرقم (19)..
كذلك وأن تنعقد خيوط الرقم (19) في النسيج التاريخي لأهل الكتاب كله.. ثم أن يحتال الكهنة على النصوص المقدسة عندهم ليحددوا زوراً موعداً ملفقاً لنبي مفترى يخرج في القرن الـ (19)، لمعرفتهم اليقينية بأن زمن خروج النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان متعلقاً بالدورة الـ (19) في العلاقة بين الحسابين الشمسي والقمري.. ثم أن يختاروا الباب والبهاء ومن بعدهما رشاد خليفة ليكملوا مهمة التحايل بباطلهم على المسلمين، ليتسنى لهم إقامة مملكتهم وسط العرب أنفسهم..
كذلك وأن يَثْبُتَ بالحساب الذي لا مرية فيه أن كل شيء في القرآن العظيم، من سور وآيات وحروف وكلمات، مقدَّرٌ تقديراً تسع عشرياً جمالياً معجزاً لا يتهيأ في كتاب من كتب الأرض..
كذلك وأن تشهد صفحة الوجود ونظامه من كل ناحية بما فيه من مظاهر الكمال للرقم (19)..
لا جرم أن هذا كله يُكسب القرآن صفة فريدة من صفات الوحي التي لا نصيبها في كلام البشر.. وأن لو بُدِّلت العِدَّة غير تلك العِدَّة لما وقع الإعجاز ولما حصل.. فلا ريبَ أنزله اللهُ الذي يعلم السر في السماوات والأرض.. حتى كأنما جاء القرآنُ الناسَ بآيةٍ معجزةٍ لا قِبَلَ لأحدٍ بردها، ولا حيلة لأحد معها. فماذا عسانا بعدُ أن نقول في شأنها؟ وماذا يبلغ القول من صفتها؟ غير أنها آية تحول بين الناس وبين ما ينزعون إليه من خلافها، فلا يملكون إلا أن يُذعنوا لهذا الحق الذي خرجت منه تلك الطريقة المعجزة التي قامت بها هذه الآية التسع عشرية في جميع هيئاتها وأنساقها ومنظوماتها.. (وانظر: مقالة: البرهان الرياضي على أن الرقم 19 مقصود في ذاته)..
فهذه آيات القرآن وآيات الكون وآيات التكوين تشهد جميعها على حقيقة هذا الرقم المعجزة (19)، فموقعها منه موقع الدليل؛ والدليل من ضروب البرهان، لا سيما وأن ما في هذا الوجود من آيات الابداع، توحي بشتى صورها أن مقاديرها التسع عشرية مقدَّرةٌ تقديرَ الكتاب العزيز. ولا غَرْوَ، فقد جمع الله عز وجل بين التقدير الدقيق في ما خلق في هذا الوجود من شيءٍ، وبين التنويه بشأن القرآن العزيز وأنه منزَّلٌ من عنده، في قوله سبحانه:
فمما اشتملت عليه الآيتان أن الذي نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم، هو الذي خلق كل شيء فقدَّره تقديراً دقيقاً مُحكماً يدلُّ على علمه المحيط بكل شيء. ولم يأتِ فعلُ التقدير في سياق آيات الخلق في القرآن العزيز مؤكَّداً بالفعل المطلق (تَقْدِيراً) إلا في هذه الآية من سورة الفرقان.
على أن من أعجب ما يشد الانتباه فيها أنها تألفت من (19) كلمة، وأن كلمة (تَقْدِيراً) هي الكلمة (19) فيها، وأن الآيتين معاً مؤلفتان من (114) حرفاً، بعدد سور القرآن المجيد وبعدد العناصر الفاعلة في هذا الوجود. فتباركَ اللهُ والمِنَّةُ للهِ!