التركيب المعجز في آية النمل
لقد جاءت كلمات القرآن وحروفه مضبوطةً على موازين مقدرة قد اتسق عليها نظمه في كل جهاته. تأمل مثلاً التركيب المعجز في قول الله عز وجل:
وانظر كيف جعل القرآن للنملة بياناً، وقولاً، ومنطقاً. ثم اختار من قولها ألفاظاً فيها من الدلالات ما لا يصيبه إنسان في غيرها؛ ومن ذلك لفظة (يَحْطِمَنَّكُم). فمعلوم في اللغة أن الحطمَ هو الكسرُ والهشمُ، مع اختصاصه بما هو صُلب أو يابس، كالعظمِ ونحوه.
ومما أفدناه من مباحث العلم الحديث أن هيكل النمل الخارجي مُغلَّفٌ بنسبة كبيرة من الزجاج، فهو لذا قابل للتكسير والهشم. فعلمنا أن لفظة (يحطمنَّكم) مقصود إليها في هذه الآية من بين الكَلِمِ، وأنه لا يصلح في هذا الموضع غيرها. وهذا سبق علمي يشهد للقرآن أنه كتاب قادم من الملأ الأعلى.
قلتُ: إن الإعجاز ليس في وضع هذه الكلمة من الآية فحسب، ولكن ما ترمي إليه سائر كلماتها وهيئات حروفها إعجاز ثانٍ. فالآية مؤلفة من (19) كلمة، وقد توسطتها كلمة (النمل) الثالثة، بحيث قسمتها إلى شطرين متساويين من حيث عدد الكلمات: ففي كل شطر (9) كلمات. وقد ربط النظم الحكيم معنى الحطم وسر الزجاج بعدد حروف الكلمات في كل من الشطرين، حتى أخرجها في لون من التصوير فذ عجيب!
ذلك أنه نسق الكلمات في الشطر الأول من (34) حرفاً، والكلمات في الشطر الآخر من (43) حرفاً. والزجاج مادة عاكسة! فكأن (النمل) مرآة، وقد عكست عدد حروف الكلمات التي أمامها، لتخرج عدد حروف الكلمات التي من ورائها. فتأمل!