ماء زمزم خير الماء وأعظم هدايا الحاج
لبى الحجيج نداء ربهم، فتوجهوا إلى بيته يتعلقون ببابه يرجون رحمته ويسألونه عطاياه، وأول غيث الرحمن لضيوفه ماء زمزم المبارك مغتسل بارد وشراب، تبتل به عروقهم ويغسل شعثاء سفرهم، يشربون ويدعون ويظنون بالله أحسن الظنون، ثم يملؤون قواريرهم هدية لأهليهم وأحبابهم ومن أوصاهم بشربة منه، فهو أعظم هدية ينقلب بها الحاج إلى أهله مسرورا.
وكان أول ظهور لزمزم حينما ترك إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنه إسماعيل بوادٍ غير ذي زرع عند البيت الحرام، ووقتها دعا ربه وقال ‘ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون’.
ولما نفد الماء لدى هاجر بكى إسماعيل وبدأت أمه تسعى بين الصفا والمروة، ثم جاءت الصبي فإذا الماء ينبع من تحت خده. وسميت زمزم لأنها زمّت بالتراب لئلا يسيح الماء يمينا وشمالا، ولو تركته لساح على الأرض حتى يملأ كل شيء كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه.
مصدر زمزم
وفي عام 1980 تم تحديد مصادر البئر، فكان المصدر الرئيسي فتحة تتجه جهة الكعبة المشرفة في اتجاه ركن الكعبة الغربي (الحجر الأسود) وطولها 45 سم وارتفاعها 30 سم، ويتدفق منها القدر الأكبر من المياه.
أما المصدر الثاني ففتحة كبيرة باتجاه المكبرية بطول 70 سم، وهي مقسومة من الداخل إلى فتحتين، وفتحات أخرى صغيرة بين أحجار البناء.
وانتهت مرحلة استخدام الدلاء نهائيا لانتشال الماء من البئر واستبدلت بها الصنابير، بعدما أمر الملك سعود بن عبد العزيز عام 1963م بتوسيع المطاف، فخفضت فوهة البئر أسفل المطاف في قبو عمقه 2.7 متر.
بركة ماء زمزم تحصل لكل من شربها سواء كان داخل مكة أم خارجها
البركة في ماء زمزم بركة أودعها الله عز وجل في الماء ذاته أينما كان ، وليست متعلقة فقط في مكان زمزم أو زمان شربه أيام الحج والعمرة، فقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم نفسها بقوله: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) رواه مسلم (2473)، وفي رواية البزار والطبراني والبيهقي وغيرهم زيادة: (وشفاء سقم).
وظاهر الأدلة، إن شاء الله، أن هذه البركة عامة لكل ماء زمزم، سواء الموجود منه في مكة، أو المحمول منه إلى غيرها من البلدان، ولذلك نص غير واحد من أهل العلم على مشروعية نقل ماء زمزم خارج مكة، وبقاء بركته وخاصيته حتى بعد نقله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ جَاز فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَحْمِلُونَهُ “.
وقال الصاوي المالكي رحمه الله:
” (ونُدب نقله – يعني ماء زمزم –) وخاصيته باقية خلافا لمن يزعم زوال خاصيته.
وقال الشيخ علي الشبراملسي الشافعي رحمه الله:
” (قوله : ماء زمزم لما شرب له) هو شامل لمن شربه في غير محله.
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في “تحفة المحتاج” (4/144) : “وأن ينقله إلى وطنه استشفاء وتبركا له ولغيره”.
وقال السخاوي رحمه الله:
“يذكر على بعض الألسنة أن فضيلته مادام في محله، فإذا نقل يتغير. وهو شيء لا أصل له؛ فقد كتب صلى الله عليه وسلم إلى سهيل بن عمرو: (إن وصل كتابي ليلا: فلا تصبحن، أو نهارا: فلا تمسين، حتى تبعث إلي بماء زمزم).
وفيه أنه بعث له مزادتين وكان حينئذ بالمدينة قبل أن يفتح مكة.
وهو حديث حسن لشواهده ، وكذا كانت عائشة رضي الله عنها تحمل وتخبر أنه كان يفعله، وأنه كان يحمله في الأداوي والقرب، فيصب منه على المرضى ويسقيهم، وكان ابن عباس إذا نزل به ضيف أتحفه بماء زمزم. وسئل عطاء عن حمله فقال قد حمله النبي والحسن والحسين رضي الله عنهما.