الربع الخالي … كنوز في الصحراء
الربع الخالي (بالإنجليزية: Empty Quarter)، وعرفت باسم صحراء الأحقاف، وأيضا باسم رمل يبرين، وهي ثاني أكبر صحراء في العالم، وتحتل الثلث الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، ويتجزء الربع الخالي حالياً بين أربع دول هي: السعودية، اليمن، عمان، والإمارات. ويقع الجزء الأعظم منها داخل الأراضي السعودية، حيث تغطي حوالي ثلث أراضي المملكة.
تفوق مساحتها 640 ألف كيلو متر مربع، فتمتد 1200 كيلو متر طولا و 640 كيلو متر عرضا. وترتفع فيها كثبان رملية إلى نحو ثلاث مائة متر وتتحرك باستمرار جاعلة الربع الخالي منعدم المعالم الثابتة.
أول رحلة موثقة لرحالة غربي إلى الربع الخالي كانت تلك التي قام بها برترام ثوماس عام 1931 وجون فيلبي عام 1932.
سماها ياقوت الحموي (575 ـ 626هـ، 1179 ـ 1228م) واحة يبرين، نسبة إِلى الواحة الواقعة في أطرافها الشمالية. وتقول العرب في وصف الكثرة: مثل رمل يبرين، ويقصدون رمل هذه الصحراء.
وعلى الرغم من قسوة البيئة الطبيعية في هذه المنطقة، وخلوها من النشاط البشري، إلا أنها تزخر بثروات ضخمة من النفط، الغاز الطبيعي، المعادن المشعة، الرمال الزجاجية، والطاقة الشمسية. وهي لم تعد خالية كما يوحي اسمها بذلك، إذ تنتشر فيها مراكز ومحطات شركة النفط الوطنية، وتجوب الطائرات والسيارات سماءَها وأرضها منقبة عن مدخراتها المعدنية.
جغرافية الربع الخالي:
تمتد صحراء الربع الخالي من خط الطول 45° شرقًا، إلى خط الطول 56° شرقًا، أي حوالي 1,200 كم. وتمتد من خط العرض 16° شمالاً إلى 23° شمالاً، أي حوالي 640 كم في أقصى اتساع لها. وتبلغ مساحتها 640,000 كم² تقريبًا.
وتغطي صحراء الربع الخالي كثبان رملية، بعضها متحرك وبعضها ثابت، وبعضها على شكل حدوة الحصان، وبعضها قبابي الشكل، وبعضها طولي الشكل يسمى العروق. وهذه الكثبان الرملية أكثر ارتفاعًا في الغرب (1500 قدم) منها في الشرق (500 قدم)، وفي الجنوب الغربي (2000 قدم) منها في الشمال (1500 قدم).
التسمية:
المنطقة تكاد أن تكون فارغة من الحياة البشرية، وذلك بسبب درجة الحرارة العالية جداً، وندرت هطول الأمطار، وقلة الأراضي الصالحة للزراعة، وقلة المياه. ولذلك، فإنه يطلق عليها في اللغة العربية اسم “الربع الخالي”، الذي يعني خلوه من الحياة. والمنطقة عبارة عن أشكال طبيعية من الكثبان الرملية التي جعلت من الصعوبة بمكان للبشر من العيش فيها والتنقل خلالها، فهي تعرف بصحراء الرمال العظيمة.
ولا يعرف بالضبط مصدر تسميتها بالربع الخالي. حيث ذكر بعض الباحثين، أنه اسم عربي قديم استخدم بواسطة البحارة العربي “ابن ماجد”، الذي أورد هذا الاسم في كتابه المعنون “الفوائد في أصول علم البحار والقواعد”، الذي ذكر فيه أسماء بعض الأماكن في طرف مأرب والجوف. ومن ناحية أخرى قال باحثون آخرون، أن ذلك الاسم أطلقه المستكشفون الأوروبيون والمستشرقون الذين زاروا أو حاولوا عبور هذه المنطقة.
المناخ:
مناخ الربع الخالي قاري حار جدا في الصيف وبارد في الشتاء والأمطار قليلة وتكاد تندر، وتهب العواصف الرملية على مدار السنة، وتتراوح درجات الحرارة العظمى في الصيف 40 إلى 50 c، وأحيانا تصل إلى فوق 60 c، والصغرى في الشتاء من 7 c إلى اقل من الصفر.
الحياة النباتية والأحيائية:
توجد بالربع الخالي حياة نباتية، في أماكن يمكن أن تكون صالحة للرعي. ففي بعض المناطق، يمكن أن تنموا النباتات بشكل كثيف بالرغم من قلة كمية الأمطار التي تهطل على المنطقة. وتعطى النباتات أسماء محلية مثل: العبل، والحرم، والشنان، والزهر، والعنضب. وتعتبر هذه النباتات موسمية ومقاومة للجفاف لفترات طويلة نسبياً.
وسمحت هذه النباتات خلال فترات زمنية سابقة لأجزاء من منطقة الربع الخالي، لأن تكون مأوي لأنواع مختلفة من الحيوانات. وحتى فترة قريبة، كان الوعل، والنعام، ونمور الرمال، وأنواع أخرى من الحيوانات معروفاً في المنطقة، ولكنها اختفت في الفترة الحالية. ويحتمل أن يكون السبب في ذلك، هو الجفاف أو عمليات الصيد.
وأنشئت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها في المملكة، متنزهات محمية للحياة البرية في الطرف الجنوبي الغربي من الربع الخالي في منطقة عروق بني معارضة، بمساحة كلية تبلغ نحو 12.000 كم2. وتمتد إلى الأجزاء الجنوبية من مدينة السليل، والأجزاء الشرقية من جبال طويق.
واختيرت هذه المحمية، لتكون موقعاً لإعادة توطين الحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة خلال فترات سابقة، مثل: الوعل، وغزال الريم. إضافة إلى ذلك، فإن الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها تهدف من إنشاء هذه المحمية إلى حماية النباتات المحلية من الرعي والقطع غير المنظم.
يوجد بمنطقة الربع الخالي الكثير من الآبار ومصادر المياه القديمة. وتتوفر هذه المصادر المائية نسبياً في الأجزاء الشرقية، والشمالية الشرقية، والشمالية من منطقة الربع الخالي، وذلك نتيجةً لقرب المياه الجوفية نسبياً في تلك المناطق.
الآبار الارتوازية ذات المياه الكبريتية:
حفرت هذه الآبار بواسطة شركة أرامكو، أثناء عمليات المسح والاستكشاف التي نفذتها الشركة في المنطقة. وتنتشر هذه الآبار في معظم أجزاء الربع الخالي.
الكثافة السكانية والبنية التحتية:
يسكن في منطقة الربع الخالي عدد من القبائل، وتقع أكبر المراكز السكانية المستقرة في منطقة الربع الخالي والمناطق المحيطة بها في نجران، وعدة مواقع أخرى. ويوجد العديد من الأماكن الأثرية على طول محيط منطقة الربع الخالي, مثل تلك المواقع الموجودة في نجران، الفاو، يبريين، عوبار، ومواقع أخرى.
وهناك بعض الطرق الترابية والمعبدة التي تعبر خلال الربع الخالي وحوافها. حيث أنشئت هذه الطرق لربط المراكز السكانية، ومراكز الحدود، ومصادر المياه، ومراكز إنتاج النفط بالبلدات المجاورة.
وهناك مطار ومهابط للطائرات في بعض المراكز السكانية المنتشرة حول وفي حواف الربع الخالي مثل: مطاري نجران وشرورة التجاريين، والمهابط الإسفلتية في السليل، الزعبلوتين، العرضه، الشبيلة، والشيبه.
أهمية هذه المنطقة:
إن دخول وعبور الربع الخالي ليس بالأمر السهل. فهناك عدد قليل من الباحثين الأجانب استطاعوا تنفيذ ذلك، بالإضافة إلى عدد قليل جداً من المستكشفون المستشرقون، والذين كانوا يصطحبون معهم الأدلاء (دليل) من القبائل التي تقطن المنطقة، الذين يملكون المعرفة والخبرة الجيدة بالمسارات، واقتفاء الأثر (ألمري)، ويعرفون مواقع المصادر الطبيعية في المنطقة.
ومن المستكشفون الذين زاروا الربع الخالي: دي. إي. تشيسمان في عام 1923ﻡ, وبورتام ثوماس في عام 1930ﻡ، وعبدالله فيلبي في عام 1932ﻡ, وويلفرد ثيسجر (مبارك بن لندن) في عام 1945ﻡ.
ففي بداية القرن العشرون، بدأ الربع الخالي في جذب انتباه الدول المهتمة بالأبحاث والاستكشافات المنفذة في المنطقة، فاكتشف النفط والغاز في دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.
أما في المملكة العربية السعودية، فقد نفذت شركة أرامكو عمليات مسح واستكشاف للنفط والغاز في كافة أنحاء الربع الخالي. ووجدت هاتين السلعتين بكميات تجارية في مناطق عديدة مثل: حقل نفط الشيبه الكبير. وكذلك حقل الغوار، أكبر حقل نفط في العالم، والذي يمتد ليصل جنوبه الأجزاء الشمالية من الربع الخالي.
وقد تبين من حفر الآبار الاختبارية في شرق وجنوب شرق صحراء الربع الخالي، أن المياه الجوفية توجد بكثرة في تكوينات الأيوسين الجيرية، وهي نفس الطبقات الحاملة للمياه في إقليم الأحساء.
أنهار الربع الخالي:
من الأشياء العجيبة التي حدثنا عنها النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، حديث يدلنا على تاريخ الصحراء في الجزيرة العربية، أو على أرض العرب إجمالاً، ويحدثنا عن شيء سوف يحدث بعد فترة من الزمن، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً) [رواه البخاري].
بعد استخدام تقنيات المسح عن بعد، وجد العلماء آثاراً لغابات كثيفة ومروج تمتد لآلاف الأمتار. ويقول العالم الذي أشرف على هذا الاكتشاف: “إن هذه المنطقة كانت ذات يوم مغطاة بالأنهار والبحيرات العذبة والنباتات والمروج، وأن هذه المنطقة كانت أشبه بأوربا اليوم” يعني كانت تماماً تشبه أوربا في أنهارها ومروجها وأشجارها.
لقد وجد الدكتور فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن الأمريكية، أن نهراً يمتد لمسافة طويلة دفنته رمال الصحراء في الربع الخالي، وهذا النهر كان موجوداً قبل ستة آلاف سنة ويبلغ عرضه 8 كيلو متر وطوله 800 كيلو متر، وكان يعبر قلب الجزيرة العربية. هذا النهر كان ينبع من جبال الحجاز ويمتد ويتفرع إلى دلتا تغطي أجزاء كبيرة من الكويت حتى يصب في الخليج العربي.
لقد قام الدكتور بلوم (Ron Bloom) من وكالة ناسا، ببحث على عدد من الصحارى، ومنها الصحراء في جزيرة العرب، ووجد أن هذه الصحراء كانت ذات يوم مليئة بالأنهار والمروج وحيوانات كثيرة كانت ترعى، وهي أشبه بأوربا اليوم! ووجد أن نفس الحقيقة تنطبق على الصحراء العربية جنوب ليبيا.
ويقول الدكتور بلوم إن أول مرة في التاريخ يعلم فيها الناس أن الجزيرة العربية كانت ذات يوم مغطاة بالأنهار في عام 1972 من خلال الصور الملتقطة بالأشعة الكهرطيسية بواسطة القمر الصناعي Landsat-1 حيث مكنتنا هذه التقنية من رؤية ما لم يره أحد من قبل! ثم في عام 1981 التقطت بعض الصور التي أكدت وجود آثار لمجاري أنهار في الصحراء، وفي عام 1994 تأكدت هذه الحقيقة أكثر.