العولمة: المعنى، التعريف، المجالات والآثار
العولمة هي ترجمة المصطلح الإنجليزي (Globalization)، والمصطلح الفرنسي (Mondialisation). وتعني العولمة جعل الشيء عالمي أو جعل الشيء دولي الانتشار في مداه أو تطبيقه.
عناصر المحتوي
معنى العولمة:
والعولمة هي مصطلح يشير المعنى الحرفي له إلى تلك العملية التي يتم فيها تحويل الظواهر المحلية أو الإقليمية إلى ظواهر عالمية.
ويمكن وصف العولمة أيضًا بأنها عملية يتم من خلالها تعزيز الترابط بين شعوب العالم في إطار مجتمع واحد لكي تتضافر جهودهم معًا نحو الأفضل. تمثل هذه العملية مجموع القوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية.
وغالبًا ما يستخدم مصطلح “العولمة” للإشارة إلى العولمة الاقتصادية؛ أي تكامل الاقتصاديات القومية وتحويله إلى اقتصاد عالمي من خلال مجالات مثل التجارة والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتدفق رءوس الأموال وهجرة الأفراد وانتشار استخدام الوسائل التكنولوجية.
ولا يزال من الصعوبة بمكان تحديد تعريف دقيق للعولمة وذلك عائد إلى تعدد تعريفاتها والتي تتأثر أساساً بانحيازيات الباحثين الإيديولوجية واتجاهاتهم إزاء العولمة رفضاً أو قبولاً.
مضمون العولمة وآفاقها في الفكر الغربي:
إن الإحاطة بكل ما أنتجه الفكر الغربي في تعريفه لظاهرة العولمة أمر يقرب من المحال، لذا يجدر الإشارة إلى أهم التعريفات التي قيلت فيها.
يعرف “توم جي بالمر”(Tom G. Palmer) في معهد كيتو Cato Institute بواشنطن العاصمة، العولمة بأنها عبارة عن “تقليل أو إلغاء القيود المفروضة من قبل الدولة على كل عمليات التبادل التي تتم عبر الحدود وازدياد ظهور النظم العالمية المتكاملة والمتطورة للإنتاج والتبادل نتيجة لذلك”.
أما “توماس إل فريدمان”(Thomas L. Friedman) فقد تناول تأثير انفتاح العالم على بعضه البعض في كتابه “العالم المسطح” وصرح بأن الكثير من العوامل مثل التجارة الدولية ولجوء الشركات إلى المصادر والأموال الخارجية لتنفيذ بعض أعمالها.
وهذا الكم الكبير من الإمدادات والقوى السياسية قد أدت إلى دوام استمرار تغير العالم من حولنا إلى لأفضل والأسوأ في الوقت نفسه.
كذلك، فقد أضاف أن العولمة أصبحت تخطو خطوات سريعة وستواصل تأثيرها المتزايد على أساليب ومؤسسات مجال التجارة والأعمال.
ذكر العالم والمفكر “ناعوم تشومسكي”(Noam Chomsky) أن مصطلح العولمة قد أصبح مستخدمًا أيضًا في سياق العلاقات الدولية للإشارة إلى شكل الليبرالية الجديدة للعولمة الاقتصادية.
ذكر “هيرمان إيه دالي” (Herman E. Daly) أنه أحيانًا ما يتم استخدام مصطلحي “العولمة” و”التدويل” بالتبادل على الرغم من وجود فرق جوهري بين المصطلحين، فمصطلح “التدويل” يشير إلى أهمية التجارة والعلاقات والمعاهدات الدولية وغيرها مع افتراض عدم انتقال العمالة ورؤوس الأموال بين الدول بعضها البعض.
وهناك الكثير من الآراء الأخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها.
تعريف العولمة وانعكاسها في الفكر العربي:
أ ـ عرّف بعضهم العولمة أنها: «أحد أشكال الهيمنة الغربية الجديدة، التي تعبر عن المركزية الأوربية في العصر الحديث، والتي بدأت منذ الكشوف الجغرافية في القرن الخامس عشر، والعولمة تعبير عن مركزية دفينة في الوعي الأوربي تقوم على عنصرية عرقية، وعلى الرغبة في الهيمنة والسيطرة».
ب ـ وعرّفها آخرون أنها: «حدث كوني له بعده الوجودي، إنها ظاهرة جديدة على مسرح التاريخ، أوجدت واقعاً تغير معه العالم عما كان عليه بجغرافيته وحركته، بنظامه وآليات اشتغاله، بإمكانياته وآفاقه المحتملة».
ج ـ في حين أن هناك من يؤكد أن «التقليعة النظرية الوهمية المسماة عولمة هي الرأسمال الأمريكي + العسكرية الأمريكية = بلطجة من طرازٍ تقني رفيع، هكذا يتوسع الرأسمال الأمريكي وهو يحمل في يده مسدساً، إنه توسع نووي جديد».
مجالات العولمة:
للعولمة مجالات متعددة اقتصادية وسياسية وثقافية وإعلامية وغيرها.
1- العولمة الاقتصادية:
تظهر في عمق الاعتماد المتبادل بين الدول والاقتصاديات القومية، وفي وحدة الأسواق المالية، وفي عمل المبادلات التجارية، في إطار لا حماية فيه ولا رقابة، وأبرز شيء في ذلك إنشاء منظمة التجارة الدولية، وهنا تثار مشكلة “أزمة الدولة القومية” ودور الدولة في العولمة الاقتصادية.
2- العولمة السياسية:
تتجلى في سقوط الشمولية والسلطة، والنزوع إلى الديمقراطية والتعددية السياسية. والمشكلة حول الديموقراطية أهي نظرية غربية خالصة أم لثقافات المجتمعات العالمية تأثير عليها؟ وهل هناك إجماع على احترام مواثيق حقوق الإنسان؟
3- العولمة الثقافية:
تكمن في أن الثقافة العالمية قضاء على الهوية والخصوصية الثقافية.
4- العولمة الإعلامية:
تدور حول البث التلفزيوني عن طريق الأقمار الصناعية، وحول شبكة الإنترنت التي تربط البشر في كل أنحاء المعمورة.
آثار العولمة:
للعولمة العديد من الجوانب التي تؤثر على العالم بأكمله بعدة طرق مختلفة منها:
•
على المستوى الصناعي:
إنشاء أسواق إنتاج عالمية وتوفير المزيد من السهولة بصدد الوصول إلى عدد كبير من المنتجات الأجنبية بالنسبة للمستهلكين والشركات، فضلاً عن سهولة انتقال الخامات والسلع داخل الحدود القومية وبين الدول بعضها البعض.
•
على المستوى المالي:
إنشاء الأسواق المالية العالمية وإتاحة مزيد من السهولة واليسر بصدد حصول المقترضين على التمويل الخارجي. ولكن مع نمو وتطور هذه الهياكل العالمية بسرعة تفوق أي نظام رقابي انتقالي، زاد مستوى عدم استقرار البنية التحتية المالية العالمية بشكل كبير – وهو ما اتضح جليًا في الأزمة المالية التي حدثت في أواخر عام 2008.
•
على المستوى الاقتصادي:
إنشاء سوق عالمية مشتركة تعتمد على حرية تبادل السلع ورؤوس الأموال. وعلى الرغم من ذلك، فإن ترابط هذه الأسواق يعني أن حدوث أي انهيار اقتصادي في أية دولة قد لا يمكن احتواؤه.
•
على المستوى السياسي:
استخدم بعض الأشخاص مصطلح “العولمة” للإشارة إلى تشكيل حكومة عالمية تعمل على تنظيم العلاقات بين الحكومات وتضمن الحقوق المترتبة على تطبيق العولمة الاقتصادية والاجتماعية. فمن الناحية السياسية، تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بمركز قوة كبير بين قوى العالم أجمع بسبب قوة اقتصادها وما لديها من ثروة وفيرة.
ومع تأثير العولمة وبمساعدة اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، استطاعت جمهورية الصين الشعبية أن تشهد تطورًا ونموًا كبيرًا في غضون العقد الماضي. وإذا ما واصلت الصين هذا النمو بمعدل مخطط له لمواكبة الاتجاهات الاقتصادية، فإنه من المحتمل جدًا في غضون العشرين عامًا القادمة أن تحدث حركة كبرى لإعادة توزيع مراكز القوة بين قادة العالم.
وسوف تتمكن الصين من امتلاك الثروة الكافية والتمتع بازدهار المجال الصناعي بها واستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية لكي تنافس الولايات المتحدة الأمريكية على زعامة العالم.
•
على المستوى المعلوماتي:
زيادة كم المعلومات الذي يمكن انتقاله بين المناطق البعيدة من الناحية الجغرافية. ومع أن هذا الأمر يعد مثارللجدل والنقاش، فإنه يعتبر بمثابة تغير تكنولوجي مصحوبًا بظهور وسائل الاتصال المعتمدة على الألياف البصرية والأقمار الصناعية وإتاحة التواصل عن طريق الهاتف والإنترنت بشكل كبير.
•
على المستوى اللغوي:
تعتبر اللغة الإنجليزية هي الأكثر انتشارًا وتداولاً في العالم أجمع كما يلي:
تتم كتابة حوالي 35 في المائة من رسائل البريد والتليكس والتلغراف باللغة الإنجليزية.
تتم إذاعة 40 في المائة تقريبًا من برامج الراديو في العالم باللغة الإنجليزية.
يتم تدفق حوالي 50 في المائة من البيانات عبر شبكة الإنترنت باللغة الإنجليزية.
•
على المستوى التنافسي:
يستوجب الاستمرار في الأسواق العالمية الجديدة للأعمال والتجارة زيادة معدلات التنافس وتحسين الإنتاجية. ونظرًا لأن السوق قد أصبحت عالمية، فإنه يتعين على الشركات المتخصصة في العديد من المجالات تحسين منتجاتها واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة بمهارة لمواجهة معدلات التنافس المتزايدة.
•
على المستوى البيئي:
ظهور تحديات بيئية عالمية قد لا يتم مواجهتها والتصدي لها إلا بالتعاون الدولي. تتمثل هذه التحديات في تغير المناخ وصراع الدول على حدود المياه وتلوث الهواء ومشكلة الصيد الجائر للأسماك في المحيطات وظهور كائنات غريبة واجتياحها للبيئة.
لذا فإنه منذ أن تم تأسيس الكثير من المصانع في الدول النامية دون اتباع لوائح وقوانين البيئة كما ينبغي، فقد تتسبب العالمية وكذلك التجارة الحرة في زيادة معدلات التلوث. على الجانب الآخر، فإن التنمية الاقتصادية تطلبت من الناحية التاريخية مرحلة صناعية لم تكن آمنة من التلوث على الإطلاق.
وقد ثار جدل بصدد عدم وجوب منع الدول النامية من زيادة مستوى معيشتها من خلال اتباع مثل هذه اللوائح والقوانين.
•
على المستوى الثقافي:
تطورت قنوات الاتصال الثقافية المشتركة بين الدول وظهرت صور جديدة من التأكيد على الوعي والهوية التي تجسد مدى انتشار التيار الثقافي والرغبة في زيادة مستوى معيشة الفرد والتمتع بالمنتجات والأفكار الأجنبية الأخرى واتباع الوسائل والأساليب التكنولوجية الحديثة والمشاركة في الثقافة العالمية.
ومع ذلك فإن بعض الأشخاص تتملكهم بالفعل مشاعر الحزن والحسرة على زيادة معدلات الاستهلاك في العالم واندثار العديد من اللغات.
•
على المستوى الاجتماعي:
تطوير المنظمات غير الحكومية كممثلين رئيسيين للسياسة العامة الدولية المتضمنة الجهود التنموية والمساعدات الإنسانية.
•
على المستوى التقني والفني:
تطوير البنية التحتية لوسائل الاتصالات العالمية السلكية واللاسلكية وزيادة سرعة انتقال البيانات وتدفقها عبر حدود الدول باستخدام تقنيات مثل شبكة الإنترنت والأقمار الصناعية الخاصة بالاتصالات وأسلاك الألياف البصرية الموجودة تحت الماء والهواتف اللاسلكية.
زيادة عدد المعايير التي يتم تطبيقها عالميًا؛ مثل: قوانين حقوق الطبع والنسخ وبراءات الاختراع واتفاقيات التجارة الدولية.
•
على المستوى القانوني والأخلاقي:
إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وقيام حركات تدعو لنشر العدل على مستوى العالم، منها حركات العدالة الدولية.
انتشار ظاهرة استيراد الجريمة، وزيادة الوعي بالجهود الدولية المبذولة، والتأكيد على أهمية التعاون للتصدي لمختلف الجرائم.
سن القانون الإداري الدولي.
بعض آليات ومظاهر عولمة الثقافة:
لعل أبرز ما يجسد تأثير العولمة على ثقافات المجتمعات الأخرى هو الانتشار الواسع والكبير لشركات مثل “كوكا كولا” ولمطاعم “الهامبرجر” “وماكدونالدز”، هذه الأخيرة التي تعتبر واحدة من أكبر المطاعم التجارية الأمريكية (حوالي 31,000 فرع حول العالم)، وهي رمز الإمبريالية الرأسمالية الأمريكية.
فهده العلامات التجارية تقدم وجبات سريعة لا تتيح للزبائن الجلوس لفترات طويلة، ومن هنا انتقلت من كونها نظاما لبيع الطعام السريع إلى نمط حياة، وذلك من خلال نظامها الذي قضى على العلاقات البشرية التي لم تعد بين الإنسان وأخيه بمفهوم التفاعل المباشر، بل هي محكومة بقضايا مادية مما تسبب في اختفاء الحميمية في العلاقات.
كما عملت شبكة الإنترنت على إزالة الحدود الثقافية عبر مختلف دول العالم عن طريق إتاحة اتصال سهل وسريع بين الأفراد في أي مكان. وترتبط شبكة الإنترنت بالعولمة الثقافية لأنها تتيح التفاعل والتواصل بين الأفراد من مختلف الثقافات وأساليب الحياة، حتى ولو كانت اللغة تشكل عائقًا أمامهم.
كما نجد كذلك وسائل الاتصال والإعلام ساهمت بشكل كبير في انتشار العولمة في المجال الثقافي وتتجلى هذه المساهمة في القنوات التلفزيونية والفضائية التي بواسطتها يتم بث أفلام ومسلسلات وموسيقى تمثل سلوكيات العنف والجنس بشكل إباحي يتناقض مع العفة في المجتمعات العربية المحافظة.
انتشار التعددية الثقافية وإمكانية وصول الفرد بشكل أفضل لشتى صور التنوع الثقافي (من خلال ما يتم مشاهدته في أفلام “هوليوود” و”بوليوود” على سبيل المثال).
ولكن من ناحية أخرى، يعتبر البعض أن الثقافة الواردة إلينا من الخارج (أو ما تسمى بالثقافة المستوردة) تمثل خطرًا كبيرًا منذ احتمال أن تحل محل الثقافة المحلية، مما يتسبب في حدوث انخفاض في معدلات التنوع واستيعاب كل ما هو جديد من الثقافات بشكل عام.
على الجانب الآخر، يعتبر آخرون أن التعددية الثقافية أمر مفيد من أجل تعزيز السلام وسبل التفاهم بين الشعوب.
زيادة الإقبال على السفر والسياحة في العالم؛ حيث قدرت منظمة الصحة العالمية عدد الأشخاص الذين دومًا ما يقومون برحلات جوية في أي وقت ووجدت أنهم يشكلون أكثر من 500,000 شخص.
زيادة معدلات الهجرة، بما فيها الهجرة غير الشرعية.
انتشار المنتجات المحلية الخاصة بالمستهلك (مثل المواد الغذائية) في الدول الأخرى (وفقًا لثقافتها).
انتشار بعض الألعاب العالمية، مثل: (بوكيمون Pokémon)، (سودوكو Sudoku)، و (الأوريجامي Origami)، والتردد على بعض المواقع العالمية مثل: (YouTube)، (Facebook)، و (Myspace)، وإمكانية الوصول إليها بسهولة بالنسبة لكل من يتوفر لديهم إنترنت.
انتشار الأحداث الرياضية العالمية مثل كأس العالم لكرة القدم ودورة الألعاب الأوليمبية.