إلى كل مهموم أو مظلوم …. هون عليك!!

1 472

إلى كل من ابتلي بالمرض، أو بالفقر، أو بفقد ولد أو عزيز، إلى كل مهموم أو مظلوم …، أقول هونوا عليكم، وزنوا مصابكم بميزان الآخرة، تهن عليكم همومكم ومصائبكم، واعلموا أن في الابتلاء منح، من تكفير للذنوب، ورفع للدرجات، فاصبروا واحتسبوا.


 
وارضوا بقضاء الله، ف “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”. يقول عليه السلام: “ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة”، ويقول: “إن الله –تبارك وتعالى – يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله – عز وجل – له، بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرض، لم يبارك له فيه”، ويقول: “إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فلايزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها”.
 
فيا من ابتلي بالمرض … هون عليك، فإن النبي يقول: “إن الله ليبتلي عبده بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب”، ويقول: “ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه، إلا كفر الله عنه من سيئاته”. فاصبر واحتسب، ولا تشك مرضك للناس، فإنك إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم، ولكن ليكن قولك: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك. يقول عليه السلام: “قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدي المؤمن ولم يشكني إلى عواده، أطلقته من أساري، ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه، ودما خيرا من دمه، ثم يستأنف العمل”.
 
ويا من ابتلي بالفقر … هون عليك ، فالنبي الكريم كان ينام على الحصير، ويقول: “مالي وللدنيا؟! ما أنا والدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة، ثم راح وتركها”، وكان عليه السلام لا توقد في بيته النار الشهر والشهران.
عن سعيد بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اصبر أبا سعيد! فإن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي، ومن أعلى الجبل إلى أسفله”، وقال: “أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة طعمة”.
 
الناس هذا حظه مال وذا *** علم وذاك مكارم الأخلاق
فإذا رزقت خليقة محمودة *** فقد اصطفاك مقسم الأرزاق
 
وقال العرباص بن سارية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج علينا في الصفة وعلينا الحوتكية فيقول: “لو تعلمون ما ذخر لكم، ما حزنتم على ما زوي عنكم ..”، وقال: “من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”، وقال: “أفلح من هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا، وقنع به”. وعن يونس بن عبيد، أن رجلا شكا إليه ضيق حاله، فقال له يونس: أيسرك أن لك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا، قال: فبيديك مائة ألف درهم؟ قال: لا، قال: فرجليك؟ قال: لا، قال: فذكره نعم الله عليه. فقال يونس: أرى عندك مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة.
 
فاصبر يا أخي واحتسب، واحمد الله على نعمة الإسلام، ونعمة العافية، واعلم أن رزقك ليس ينقصه التأني، وليس يزيد في الرزق العناء، فخذ بالأسباب، وتوكل على الله، ثم ارض بما قسم الله لك، فالنبي الكريم يقول: “لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له، فأجملوا في الطلب: أخذ الحلال، وترك الحرام”.
 
ويا من فقدت ولدا أو عزيزا … هون عليك، وتذكر مصيبتك بالنبي الكريم تهن عليك مصيبتك، يقول عليه السلام: “إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليتذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب”. وتذكر ما لك من الأجر والثواب إن صبرت واحتسبت، قال عليه السلام: ” إذا قبضت من عبدي كريمته – مهو بها ضنين – لم أرض له ثوابا دون الجنة، إذا حمدني عليها”، وقال: “من احتيب ثلاثة من صلبه دخل الجنة، فقالت امرأة: أو اثنان؟ قال: أو اثنان”، وقال: “إذا مات ولد الرجل يقول الله تعلى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: اقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد”.
 
ثم لا تنس يا أخي أننا لسنا مخلدين في الدنيا، وأن الموت حق، وأن لكل أجل كتاب، فوطن نفسك على هذا تهن عليك مصائبك. قال عليه السلام: “أتاني جبريل، فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به …”.
 
ويا من فقدت عضوا من أعضائك، أو حاسة من حواسك ..، هون عليك، واصبر واحتسب، يعوضك الله خيرا، فهذا ابن عباس – رضي الله عنهما – قال وكله رضا، عندما فقد بصره :
 
إن يأخذ الله من عيني نورها *** ففي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي، وعقلي غير ذي دخل *** وفي فمي صارم كالسيف مأثور
 
ثم إنك مجزي على عملك، أما شكلك وصورتك فلا قيمة لها عند الله، قال عليه السلام: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.
 
ويا من تجرعت كأس الظلم، اسمع قول الحبيب المصفى لتهنأ بالا: “يجيء الرجل يوم القيامة من الحسنات ما يظن أنه ينجو بها، فلا يزال يقوم رجل قد ظلمه مظلمة، فيؤخذ من حسناته، فيعطي المظلوم حتى لا تبقى له حسنة، ثم يجيء من قد ظلمه، ولم يبق من حسناته شيء، فيؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على سيئاته”. واعلم أن دعوتك ليس بينها وبين الله حجاب، ولكن اصبر حتى يحكم الله بأمره، يقول عليه السلام: “اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام، يقول الله جل جلاله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين”.
 
ويا صاحب الهم، أبشر بفرج قريب، ولا تيأس من روح الله “إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون” يوسف (87)، وليكن دعاؤك : اللهم اجعل لي من كل هم وغم فرجا ومخرجا، اللهم افتح لي باب الفرج بطولك، واحبس عني باب الهم بقدرتك.
 
يا صاحب الهم إن الهم منفرج *** أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحبه *** لا تيأسن فإن الكافي الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة *** لا تجزعن فإن الصانع الله
 
يقول عليه السلام: “النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا”. فاصبر واحتسب، فإن لكل شيء قدرا، وعسى فرج أن يلوح في الأفق.
 
عسى ما ترى أن لا يدوم وأن ترى *** له فرجا مما ألح به الدهر
عسى فرج يأتي به الله إنه *** له كل يوم في خليقته أمر
إذا لاح عسر فارج يسرا فإنه *** قضى الله أن العسر يتبعه اليسر
 
فصبرا أهل الابتلاء، وهونوا عليكم، فإن النبي عليه السلام يقول:” عجبا للمؤمن، لا يقضي الله له شيئا، إلا كان خيرا له”، ويقول: “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط”.
وعن صهيب قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد مع أصحابه، إذ ضحك، فقال : ألا تسألوني مم أضحك؟ قالوا: يا رسول الله! ومم تضحك؟ قال: “عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير، وإن أصابه ما يكره فصبر، كان له خير، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن”.
 
اللهم إنا نسألك إيمانا يباشر قلوبنا حنى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا، وأرضنا من المعيشة بما قسمت لنا …اللهم آمين.

تعليق 1
  1. محمد حداد يقول

    شكرا وجزاك الله خير الجزاء

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد